الأربعاء، 10 فبراير 2010

بحث في مادة / مدخل إلى الثقافة الإسلامية _للدكتور / عبد الله الأوصيف

مقدمة

إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلي الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا

أما بعد :-

فإن للثقافة الإسلامية دوراً عظيم الأهمية بالغ الأثر في تحديد معالم الشخصية الإسلامية لدي الفرد ولدي المجتمع تلك الشخصية التي تتسم بسمات القوة والهيبة والمجد والرفعة والنبل والكرامة والاتزان والايجابية وتؤهل المسلم لأن يقوم بدوره في تشيد بناء الحضارة الإنسانية وتعينه على الإسهام في النهضة العلمية والتقنية ذلك لأن مهمة المسلم في الاصلاح والتهذيب و التربية والتعليم تجعله في مقام السيادة والريادة والإمامة والقيادة لسائر أمم العالم وشعوب الأرض وتحمله رسالة الله إلي البشرية .

انطلاقاً من هنا آثرت أن يكون بحثي عن علم الثقافة الإسلامية ، والذي يتكون من ثلاثة مباحث

المبحث الأول ويتكون من ثلاثة مطالب

المطلب الأول ويتناول كلمة الثقافة واستعمالها في اللغة العربية

المطلب الثاني : يتناول المعني المراد من مصطلح الثقافة باعتباره مصطلحاً عاماً من مصطلحات العلوم الإنسانية

أما المطلب الثالث : فيتناول تعريف الثقافة الإسلامية المختار لأنه بناء على هذا التعريف تكون ( الثقافة الإسلامية ) علماً مستقلاً مميزاً عن غيره

المبحث الثاني فيتناول الفرق بين علم ( الثقافة الإسلامية ) والعلوم الأخرى

المبحث الثالث : فيتناول موضوعات علم الثقافة الإسلامية

المبحث الأول

المطلب الأول

تعريف الثقافة :

استعمل العرب كلمة ( الثقافة ) للدلالة على معان متعددة منها :

الحذق ، ومنها الفطنة والذكاء ، ومنها سرعة التعلم والضبط ، ومنها الظفر بالشيء والتغلب عليه ، والتقويم والتهذيب ، تسوية المعوج من الأشياء كالرماح والسيوف يقال ثقف الشيء ثقفاً وثقافاً إذا حذقة

ورجل ثقف إذا كان ضابطاً لما يحويه قائماً به [1] وقد جاءت كلمة الثقافة في القرآن الكريم

أ‌) قال تعالي ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) [2]

يقول الإمام البغوي في تفسير هذه الآية : وأصل الثقافة الحذق والتبصر لأمور ومعناه اقتلوهم حيث بصرتم فقاتلتهم وتمكنتم من قتلهم[3]

ب)قال تعالى(فإماتثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم )[4]يقول القرطبي في ذلك ومعني ثقفتموهم أي تأسرهم وتجعلهم في ثقاف أو تلقاهم بحال ضعف يقال ثقفه أثقفه ثقفاً أي وجدته وفلان ثقف أي سريع الوجود لما يطلبه )[5]

المطلب الثاني

الثقافة في الاصطلاح

لم نجد عند علماء اللغة العربية والإسلام في الماضي مفهوماً اصطلاحيا للثقافة وقد يرجع السبب في ذلك إلي أن هذه الكلمة لم تكن شائعة الاستعمال في أيامهم فلم نجد العلماء أو الباحثين ينعتون بها .

كما أنهم لم يتناولوها بدراسة مستقلة أو مميزة وحيث دخلت الثقافة الإسلامية كعلم في حياة المسلمين المعاصرة أنتشر التعبير بهذه الكلمة فأصبحنا نصف فلاناً بأنه مثقف أو واسع الثقافة وأصبحت لدينا وزارة الثقافة التي تتميز عن وزارة التربية والتعليم وكذلك أصبح يعقد المؤتمرات الثقافية والموسعات الثقافية [6].

وعلى هذا جاء تعريف الثقافة بالمعني الاصطلاحي تعريفاً حديثاً فعلي سبيل المثال

عرف المجمع اللغوي الثقافة بأنها جملة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق بها [7]

وعرفها بعض التربويين بأنها مجموعة من الأفكار والمثل والمعتقدات والتقاليد والعادات والمهارات وطرق التفكير وأساليب الحياة والنظام الأسري وتراث الماضي بقصصه ورواياته وأساطيره وأبطاله ووسائل الاتصال والانتقال وطبيعة المؤسسات الاجتماعية في المجتمع الواحد [8]

أما عند العرب فقد أهتم علماء التربية بتحديد المعني الاصطلاحي للثقافة بصور تتقارب في الأفكار والمعاني وتتفاوت في الألفاظ والصياغات فمن ذلك يقول (هنري لاوست ) إن الثقافة هي مجموعة من الأفكار والعادات المورثة التي تتكون منها مبدأ خلقي لأمة ما يؤمن أصحابه بصحتها وتنشأ منها عقلية خاصة بتلك الأمة تميزها عما سواها

وعرف (أرنش باركر ) الثقافة فقال ذخيرة مشتركة لأمة من الأمم تجمعت لها وانتقلت من جيل لأخر من خلال تاريخ طويل وتغلب عليها بوجه عام عقيدة دينية وهي جزء من تلك الذخيرة المشتركة من الأفكار والمشاعر واللغة

وعرف (ادوارد تايلور) الثقافة بأنها هي الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والخلاق والقوانين [9]

المطلب الثالث :

تعريف وما هية الثقافة الإسلامية :

تعتبر الثقافة الإسلامية علماً مركباً ولقبا للدلالة على علم معين وهو مركب إضافي[10] من كلمتين هما (الثقافة) و(الإسلام ) ونحاول إيجاد تعريف لهذا العلم المركب الموضوع للدلالة على علم خاص فهل أضيف شيء جديد لكلمة الثقافة ؟

لا شك أن إضافة كلمة الإسلام لها دلالة جديدة ومعطيات معينة وانتماء معين ومن الجدير بالذكر أن العلماء القدامى لم يهتموا ببيان رسم الثقافة الإسلامية باعتبارها لقباً كما اهتم به فقهاء وعلماء الثقافة الإسلامية في العصر الحديث خاصة أن مسائل ومباحث الثقافة الإسلامية لم تجمع في كتاب بعينه وكل ما كتب عنها هو عبارة عن مقتطفات ذكروها في ثنايا كتبهم

وقد عرفت الثقافة الإسلامية بتعريفات متعددة وهذ يرجع الى عدة اسباب هي كالاتي :

*أن كلمة الثقافه ذات أبعاد كبيرة ودلالات واسعه

*أن كلمة الثقافه من الالفاظ المعنويه التي يصعب تحديدها

*أن كلمة الثقافه مصطلح حديث

*كذالك تعدد إجتهدات العلماء والمفكرين حول هذا المصطلح

وسأذكرتعرفين للثقافه الإسلامية أرى أنها الاقرب والاصوب

عرفت بأنها :

العلم بمنهج الإسلام الشمولي في الفكر والنظم والقيم ونقد التراث الإنساني من خلالها [11]

كما عرفت بأنها : علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها [12]

محترزات التعريف:

علم : يخرج به المفهوم العام للثقافة الذي يعني النشاط العلمي الأدبي والفني وغيره

كليات الإسلام : أي أصوله ومقوماته في جميع نظمه فيخرج به فروع الإسلام في أنظمة متعددة لأن هذه شأن العلوم الشخصية كالعقيدة في النظام العقدي والعبادات والمعاملات في الفقه

نظم الحياة : شمول لسائر نظم الحياة البشرية والتي من أبرزها العقيدة العبادة الدعوة الحسنة الأخلاق الاجتماع السياسة الاقتصاد العلم والمعرفة

كلها : تخرج به العلوم الشرعية المتخصصة بنظام واحد أو بعض تلك النظم حيث تدرس أصول هذا النظام وفروعه كعلم الفقه مثلاً

بترابطها : تخرج به البحوث الموسوعية التي تجمع العلوم الإسلامية في المؤلف واحد لكن انفصالها واستقلالها الشخصي [13]

وبناء على هذا المعني تكون الثقافة الإسلامية علماً مستقلاً متميزاً عن غيره من العلوم الإسلامية الأخرى فهذا علم جديد له موضوعاته الخاصة وأسلوبه الخاص وكتابه الخصوصيون جاء ميلاده وظهوره إثر التحديات المعاصرة للإسلام والمسلمين وهو أيضا علم يعني بدراسة عناصر الإسلام وجوانبه المتعددة دراسة شاملة مع العناية بالارتباط الحيوي والتأثير المتبادل بين تلك الجوانب ولعل هذا التعريف الاخيرهو أفضل تلك التعريفات واقربها إلي الصواب لاشتماله على موضوعات الثقافةالإسلامية الرئيسية ولأنه تعريف كلي وليس تعريفاً جزئياً .

المبحث الثاني

الفرق بين الثقافة الإسلامية والعلوم الأخرى

إذا أردنا أن نفرق بين الثقافة اٌلإسلامية والعلوم فيحسن بنا أن نعرف العلم لغة واصطلاحاً

العلم لغة : علم الرجل علماً إذا حصل له حقيقة العلم وعلم بالشيء عرفه واعلمه الامر أطلقة عليه

العلم اصطلاحاً : المعرفة التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة والاستنتاج كعلم الطبيعة والكيمياء وسائر العلوم التجريبية[14]

فإذا أردنا أن نعقد مقارنة ما بين العلم والثقافة فإننا نجد أنهما يتماثلان بوصفهما معرفة ويفترقان في :

1-أن العلم عالمي لا وطن له ولا أم فلا تختص به أمه من الأمم دون الأخرى وإنما هو مشترك بين جميع الأمم أما الثقافة فهي خاصة بأمة معينة

2- أن العلم يؤخذ أخذاً عالمياً دون قيود لأنه محصلة إسهام الأمم كلها خلافاً للثقافة التي لا يجوز أخذها من الأمم الأخرى

3- أن العلم معرفي أكثر من أنه عملي في حين أن الثقافة سلوك أكثر من أنها معرفة فهي علم وعمل وفكر وسلوك في وقت واحد .

4- أن العلم جزء من الثقافة لأنه لا يتصف بصفة واحدة مميزة كما هو حال الثقافة التي هي أعم وأشمل

إن الذي تعلم معرفة تتعلق بعلم من العلوم مثل هندسة أو رياضيات أو كيمياء وبرع فيها ليس بالضرورة أن يكون مثقفاً بل أنه قد أدرك جانب من جوانب الثقافة وأغفل جوانب أخري لعدم إدراكه الفرق بين الثقافة والعلم فلا يجوز الخلط بينهما لأن ذلك تصور خاطئ يجعل الثقافة محصورة في فئة محددة من بناء المجتمع مع العلم بأن الثقافة تشمل المجتمع وتعبر عنه في شتي مناحي الحياة [15]

المبحث الثالث :

موضوع الثقافة الإسلامية

يمكن تصنيف موضوعات علم الثقافة الإسلامية في الأمور الأربعة التالية

أولاً : نظم الدين الإسلامي التي من أبرزها

1- نظام العقيدة

2- نظام العبادة

3- نظام الدعوة

4- النظام العلمي

5- النظام الخلقي

6- النظام العائلي

7- النظام الاقتصادي

8- النظام السياسي

هذه النظم يبحثها علم الثقافة الإسلامية من حيث مصادرها وأساسها وخصائصها وأهدافها وآثارها ومسائلها الكبرى أما تفصيلات كل نظام ودقائقه فشأن المتخصصين في هذه النظم

ثانياً : المفاهيم المتعلقة بنظم الإسلام ومنهجه :

أمثال مفاهيم الحرية ، والتسامح الديني ، والتوكل ، العبادة الإسلامية ، السلفية العلم ، التجديد في مجال الدين والموضوعية

هذه المفاهيم يسعي علم الثقافة الإسلامية إلي تأصيلها على أساس من الكتاب والسنة وفهم السلف كما يسعي إلي دفع المفاهيم الخاطئة التي انحرفت ذلك الأصل

ثالثاً: القوي المعادية للإسلام وأهله والتي من أبرزها

الاستشراق والتنصير والماسونية والصهيونية حيث يبحث علم الثقافة الإسلامية شبة هذه القوى حول الإسلام ومناهجها في دوافع تلك الحرب وآثارها وذلك من أجل تلك الشبه ومواجهة تلك الحرب وكشف حقائق تلك القوى وضررها على الإسلام والمسلمين وسبل وقايتهم منها .

رابعاً :

المذاهب والنظريات الحديثة ومن أبرز تلك المذهب

الرأسمالية والاشتراكية وبعض الأديان القائمة وأما النظريات فمن أبرزها العلمانية والتطورية والوجودية والفرويدية والوضعية حيث يسعي علم الثقافة الإسلامية إلي بيان ما يتفق من تلك المذاهب والنظريات مع الإسلام وما يختلف معه كما يسعي إلي نقد مبادئها الفاسدة وإثبات إخفاقها في الواقع البشري مقابل نجاح مبادئ الإسلام في تحقيق السعادة والأمن والاستقرار

وهذه الموضوعات الأربعة مرتبطة فيما بينها ووجه الارتباط أن تلك القوي والمذاهب تسعي إلى زحزحة الإسلام ومنهجه عن حياة التابعين له ووقف حده عن من لم تصلهم دعوته بما تثيره من شبه حوله أو ما تقدمه من نظم بديله ومن ثم كان مقتضي بحث أصول الإسلام في نظم الحياة البشرية بيان بطلان تلك النظم المقابلة خاصة وأن الاختلاف في تلك الأصول بين الإسلام وبينهما عظيم جداً[16]

الخاتمة :

توصلت في هذا البحث إلي النتائج التالية :

1- اختلف الباحثون المعاصرون في تعريف الثقافة الإسلامية لكن رجحت أن تعريف الثقافة الإسلامية هو ( علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها ، ) وبهذا التعريف تكون الثقافة الإسلامية علماً مستقلاً

2- أن الثقافة ليست مرادفة للعلم في معناها حيث يقصد الثقافة على فئة من أبناء المجتمع دون فئة أخري في حين أنها تشمل المجتمع كله وتعبر عنه

3- يمكن تصنيف موضوعات علم الثقافة الإسلامية في الأمور الاربعة التالية:

# نظم الدين الإسلامي

#المفاهيم المتعلقة بنظم الإسلام

#القوي المعادية للإسلام

#المذاهب والنظريات الحديثة

هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

المراجع :

1- مدخل إلي علم الثقافة الإسلامية ،د عبد الرحمن الزنيدي

2- أضواء على الثقافة الإسلامية ،د نادية شريف العمري مؤسسة الرسالة بيروت ، الطبعة الأولي 1401هـ

3- مقدمات في الثقافة الإسلامية : د مفرح بن سليمان القوسي الطبعة الثالثة الرياض 1424 هـ

4- دراسات في الثقافة الإسلامية لصالح ذياب هندي طبعة أولى 1980 م

5- مقدمة في الثقافة الإسلامية دراسة تاصيلية د/ عبد الرحمن أبو عامر عبد السلام مكتبة الرشد الرياض 1425هـ

6- الوافي في الثقافة الإسلامية د/ مصلح بن عبد الحي نجار مكتبة الرشد الرياض ،1427 هـ




[1] ابن منظور لسان العرب (9/19) الفيروز ابادي ( القاموس المحيط ) 1027

[2] سورة البقرة (191)

[3] البغوي معالم التنزيل (1\213)

[4] سورة الانفال (57)

[5] القرطبي الجامع لاحكام القراءن (4/8/21)

[6] دراسات في الثقافة الاسلامية الأشقر وأخرون (8) مقدمات في الثقافة الاسلامية (36)

[7] المرجع السابق (8)

[8] نقلاً من الاشقر : دراسات في الثقافة الإسلامية

[9] أنظر كتاب ركائز علم الاجتماع ص162

[10] المركب الإضافي : كل اسمين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما قبله مثل عبد الله وابي قحافة أنظر : فتح السالك إلي ألفية أبن مالك (1/134)

[11] تعريف عبد الرحمن أبو عامر في كتابه مقدمة الثقافة الإسلامية ص29

[12] مدخل الثقافة الإسلامية د/ عبد الرحمن الزيني ص2-3

[13] مدخل الى علم الثقافة الإسلامية :د عبد الرحمن الزيني (3-3)

[14] نحو فلسفة عربية للتربية د عبد الغني النوري ص 53

[15] دراسات في الثقافة الإسلامية لصالح ذياب هندي ص 19

[16] مدخل إلي علم الثقافة الاسلامية عبد الرحمن الزنيدي ص 13-15

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق